من الذي يربح من دمائنا؟
بين دفاتر المحاسبة وصفحات الإعلانات البراقة، تكمن حقيقة مُظلمة: عشرات من كبرى الشركات العالمية، من وادي السيليكون إلى أسواق السلاح الأوروبية، تُسهم بشكل مباشر في ترسيخ اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، بل وتغذي، بحسب وصف أممي حديث، "اقتصاد الإبادة" ضد الفلسطينيين.
ففي تقرير صدر مطلع يوليو الجاري عن المقرّرة الخاصة لحقوق الإنسان، فرانسيسكا ألبانيسي، وُثّق تورّط 60 شركة عالمية في دعم الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين من خلال تقديم خدمات لوجستية وتقنية ومالية لآلة الحرب الإسرائيلية. لم يُجامل التقرير أحدًا، بل سمّى الأمور بأسمائها، ووضع شركات شهيرة مثل Microsoft وAmazon وLockheed Martin وCaterpillar وBooking.com في قائمة سوداء واضحة.
لكن السؤال الأهم هنا: ما الجديد؟
الاحتلال الإسرائيلي يتلقى دعمًا اقتصاديًا منذ عقود، لكن هذا التقرير يقدّم رؤية مختلفة، من حيث النبرة والمضمون. إنه لا يتحدّث عن علاقات تجارية عابرة، بل عن بنية رأسمالية ممنهجة، حيث تتحوّل الحرب إلى مشروع ربحي، يقوم على التهجير والتدمير والمراقبة الشاملة.
منذ أكتوبر 2023، أُلقي على قطاع غزة ما يُقدّر بـ85,000 طن من القنابل، أي ما يعادل ستة أضعاف قوة قنبلة هيروشيما. النتيجة: أكثر من 57,000 شهيد، دمار شبه كامل للبنية التحتية، وانهيار تام للحياة اليومية. ورغم ذلك، تسجّل بورصة تل أبيب أرباحًا غير مسبوقة. في هذا السياق، الحرب لم تعد تكلفة... بل فرصة استثمار.
فشركات مثل Microsoft وAmazon توفّران "الذكاء السحابي" للمراقبة العسكرية؛ Caterpillar تزوّد الاحتلال بجرافات الهدم؛ أما مؤسسات مالية مثل Barclays وBlackRock، فتستثمر في سندات الحرب الإسرائيلية، بينما تجني منصات كـBooking وAirbnb أرباحًا من تأجير العقارات في المستوطنات غير القانونية.
ألبانيسي دعت إلى مقاطعة اقتصادية شاملة لإسرائيل و"إنهاء التواطؤ التجاري"، لكنها، كما يدرك المراقبون، تعلم أن مساءلة هذه الشركات تشبه تسلق جبل قانوني شديد الانحدار، في ظل نظام دولي عاجز أمام جاذبية الأرباح.
لكن الدرس هنا لا يقتصر على القانون، بل يمتد إلى السياسة والأخلاق. فإذا كانت الحرب تُدار عبر الأسواق، فهل يتحوّل السوبرماركت إلى ساحة مقاومة؟ هل تصبح بطاقة الائتمان أداةً للمساءلة الأخلاقية؟
ربما لا يملك الفلسطيني بندقية في وول ستريت، لكنه يمتلك هذا التقرير. شهادة موثّقة قد تتحوّل، يومًا ما، إلى لائحة اتهام تُكتب لا بالحبر، بل بدم الضحايا.
ما هي ردة فعلك؟
اعجبني
0
لم يعجبني
0